مقالة جدلية : هل الحق يسبق الواجب ؟

[ad_1]



ثالثة آداب وفلسفة
هل الحق يسبق الواجب ؟
مقدمة :
يعتبر الانسان كائن اجتماعي بطبعه فهو يعيش في أحضان المجتمع يؤثر ويتأثر بمن حوله , هذا المجتمع يحكمه قانون تشرعه
الدولة فهي التي تنظم حياة الناس وتضمن استقرارهم ,فبعدما كان الإنسان يعيش حياة بدائية مليئة بالفوضى والاضطراب , مع
مرور الزمن انتقل إلى تأسيس حياة مدنية تقوم على قوانين وضعية الهدف منها فرض الأمن والاستقرار والعدل بين أفراد
المجتمع . وهاته الضوابط التنظيمية تتضمن في الأصل حقوقا وواجبات فالحقوق هوما يمنحه القانون للفرد من مكاسب مادية أو
معنوية أما الواجبات هو كل ما يطالب به القانون وما لا يمكن الاتفاق على ترکه ,وعلى هذا الأساس وقع جدا بين الفلاسفة ,
والمفكرين حول طبيعة العلاقة بين الحقوق والواجبات ولمن تكون الأسبقية ,فمنهم من يعتقد بأن الأولوية تكون للحقوق على
حساب الواجبات ولكن على النقيض من ذلك هناك من الفلاسفة من يرى أنه للتأسيس للعدالة لا بد من تقديم الواجبات على الحقوق
ومن هذا التباين والاختلاف في الأفكار نطرح الاشكال الاتي : هل الحق يسبق الواجب وبعبارة أخرى : هل العدالة تتأسس على
اسبقية الحق على الواجب ام الواجب على الحق ؟

الموقف الأول : پری انصار هذا الاتجاه من فلاسفة القانون الطبيعي والاعلان العالمي اللحقوق الانسان والثورتين الفرنسية
والأمريكية بان العدالة تقتضي ان تتقدم فيها الحقوق على الواجبات فتاريخ الحقوق مرتبط بالقانون الطبيعي الذي يجعل من
الحقوق مقدمة للواجبات كون الحق معطي طبيعي كما أن سلطة الدولة حسب فلاسفة القانون الطبيعي مقيدة بقواعد هذا الأخير
الأمر الذي يبرر اسبقية الحق على الواجب ,فحق الفرد سابق لواجب الدولة من منطلق أن القانون الطبيعي سابق لنشأة الدولة
وان القوانين الطبيعية وهي تحترم الطبيعة البشرية في اقرارها بتلك الحقوق الملازمة وانما تعبر عن العدالة المطلقة قال وولف
"كلما تكلمنا عن القانون الطبيعيمطلقا قانونا طبيعيا بل بالاحرى الحق الذي يتمتع به الإنسان بفضل ذلك القانون "ولما كانت
الحقوق الطبيعية حقوقا ملازمة للكينونة الانسانية فهي بحكم طبيعتها هذه سابقة لكل واجب فهي بمثابة حاجات بيولوجية يتوقف
عليها الوجود كما يمنحهم قانون الطبيعة حقوقا أخرى كحق محاكمة المعتدي وحق معاقبته ,ولا يمكن لأي كان اسقاط هذا الحق ,
قال جون لوك " لما كان الإنسان يولد وله الحرية التامة والتمتع بجميع حقوق السنة الطبيعية وميزاتها دون قيد او شرط من
سماته ,سمة أي إنسان أو جماعة من الناس في العالم ,فله حق طبيعي بالمحافظة على ملكه" وقال أيضا " لما كان الإنسان قد
ولد و له حق كامل في الحرية وفي التمتع بلا قيود بجميع حقوق ومزايا قانون الطبيعة على قدم المساواة مع أي شخص أخر وأي
عدد من الأشخاص في العالم فإن له بالطبيعة الحق لا في المحافظة على ما يخصه .... ضد اعتداء الآخرين أو محاولتهم العدوانية
فحسب بل أيضا في أن يحاكم الآخرين على خرقهم هذا القانون ..."ولما كانت الحقوق الطبيعية تترتبط ارتباطا وثيقا بالقوانين
الطبيعية ,وكانت الواجبات ميزة القوانين الوضعية امكن القول أن الحق سابق للواجب من منطلق أن القوانين الطبيعية سابقة
للقوانين الوضعية كون المجتمع الطبيعي تقدم المجتمع السياسي.اما بالنسبة للثورة الفرنسية والأمريكية فقد أعطت
الأولوية للحقوق على الواجبات وظهر ذلك جليا في اعلان حقوق الانسان والمواطن الذي حملته دساتيرها اضافة الى ذلك
المنظمات الدولية لحقوق الانسان استمدت فلستفها القانونية من فلاسفة القانون الطبيعي لذلك فهي تولي اهتماما كبيرا للحقوق
على حساب الواجبات ,وهو ما جاء في المادة الثالثة من اعلان حقوق الانسان والمواطن الصادر عن الثورة الفرنسية عام
1789 التي نصتعلى أن "هدف كل جماعة سياسية هو المحافظة على حقوق الانسان الطبيعية التي لا يمكن أن تسقط عنه ,
هذه الحقوق هي الحرية والملكية والأمن ومقاومة الاضطهاد" ولقد ورد أيضا في أول إعلان أمريكي للحقوق الصادر عام 1776 ما يؤكد بالمثل على أولوية الحقوق حتى في القوانين المدنية لذلك قيل " جميع الناس قد خلقوا أحرارا متساوين ومستقلين ولهم حقوق موروثة لا يجوز الهم عند دخولهم في حياة المجتمع أن يتفقوا على حرمان خلفائهم منها وهذه الحقوق هي التمتع بالحياة والحرية عن طريق اکتساب وحيازة الأموال وبالسعي وراء الحرية والأمان والحصول عليها " وجاء في المادة 18 من الاعلان العالمي العالمي لحقوق الانسان الصادر 1848مايلي الكل شخص الحق في حرية التفكير والدين والضمير ....يولد جميع الناس احرارا متساوين في الكرامة والحقوق وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الاخاء ودون أي تمييز "

التقييم و النقد : برغم مما قدمه فلاسفة القانون الطبيعي وحتى المنظمات الدولية للحقوق الانسان والثورتين الفرنسية والأمريكية ,الا انهم اقروا الحقوق وقدسوها وفي المقابل تجاهلوا الواجبات وفي ذلك اخلال بتوازن الحياة كما ان اقرارهؤلاء حقوقا مقدسة للفرد اهمها أحقيته في الملكية اما يدافعون عن قصد او عن غير قصد على حقوق الأقوياء بدل حقوق الضعفاء
على اعتبار آن الملكية غير متيسرة للجميع وبقدر ما تكون حكرا على الطبقة الحاكمة فاية حقوق هذه ؟ بالاضافة الى أن جميع
التشريعات الوضعية على مر التاريخ لم تخول موادها حقوقا للافراد دون مطالبتهم باداء واجبات فالحق يلزمه واجب

الموقف الثاني : پری انصار هذا الاتجاه امثال كانط واوغست كونت بأن الواجب متقدم على الحق فهو معيار العدالة الإجتماعية
وأساس بناء المجتمعات فأداء كل فرد الواجباته يساهم حتما في تيسير عجلة تطور الأمة وهذا التطور يؤدي بدوره إلى توفير
الحياة الاجتماعية الملائمة التي تكون فيها الحقوق المختلفة مصونة في حين إذا قلت الواجبات وضعفت يتصدع البناء الاجتماعي
للدول ويختل توازنها ومن الفلاسفة الذين ذهبوا إلى تأكيد هذا الطرح " إيمانويل كانط" و"أوغست كونت " فكلاهما يعطي أهمية
للواجب ويدفع به للمقام الأول, فالواجب الأخلاقي عند كانط يقوم على الالزام الباطني الذي يفرضه الفرد على نفسه بمحض إرادته
حيث يكون مطلقا ونزيها بعيدا عن المنافع الشخصية والمصالح الذاتية فمثلا : إتقان العامل لصنعته واجب بغض النظر عن نيله
ثناء صاحب العمل كحق مقابل ذلك كما أن الجندي عندما يضحي بحياته دون اعتبار إلى فقدانه أهم حقوقه وهو حق الحياة ,دليل
على أن الواجب مطلب عقلي سابق للحقوق قال كانط " إن الإرادة الإنسانية الخيرةهي تلك تفعل وفقا للواجب ..." أما أوغست
كونت فينطلق من قبول فكرة الواجب دون اخضاعها لاي نقد خاص ,فالواجب حسبه هو القاعدة التي يعمل بمقتضاها الفرد
وتفرضها العاطفة والعقل معا ,ومن الواجب أن نعمل ما تعترف بانه انسب شئ الى طبيعتنا الفردية والاجتماعية لذلك ففكرة الحق
يجب أن تختفي وتستبعد من القاموس السياسي فكل فرد عليه واجبات يجب اداؤها ولا يمكن المطالبة بحقوقه لأن مجرد
المطالبة بها هي فكرة منافية للاخلاق والأخلاق في حقيقتها اجتماعية اضافة الى هذا فان حق الفرد هو نتيجة لواجبات الأخرين
نحوه قال اوغست كونت "ليس للفرد حقوق بل عليه واجبات ولو قام كل فرد بواجباته لتحققت حقوق الناس فهذا يعني أن تحديد
الواجب سابق للاقرار الحق ,الامر الذي يبرر اولوية الواجبات على الحقوق .

التقييم والنقد : برغم مما قدمه انصار هذه الاتجاه من أن الواجبات تسبق الحقوق الا ان هذا الطرح يهدم العدالة من اساسها ,
كونه يبترها من مقوم اساسي تقوم عليه الا وهو الحق فكيف يمكن واقعيا تقبل عدالة تغيب فيها حقوق الناس كما أن منع الحقوق
يؤدي الى الظلم والاستغلال بدليل الدول الديكتاتورية تحث افردها على القيام بواجبات دون الحصول على حقوقهم مما يؤدي إلى
استغلالهم وضياع كرامتهم .
التركيب : العدالة الموضوعية قائمة على الجمع بين الحقوق والواجبات فهما في علاقة تكامل ,فوجود أحدها يتضمن وجود
الأخر بالضرورة ولان الحياة الإجتماعية لا يمكن أن تنهض وتستقيم إلا إذا كان هناك تعادل و توازن بين الحقوق والواجبات
فاذا طغت الحقوق على الواجبات فإن المجتمع يضطرب وهذا ما ينعكس سلبا على الدولة وعلى مختلف وظائفها ,أما إذا طغت
الواجبات على الحقوق فهذا يؤدي إلى الظلم والجور وكذلك الإستغلال كما يشجع المواطنينالاسعلى التطاول والتحايل على
القانون وراي أن ضرورة التداخل والجمع هي التي تؤسس العدالة الصحيحة والكاملة.
الخاتمة :وفي الأخير نستنتج أن روح العدالة الاجتماعية تقتضي تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات لكي نستطيع خلق
مجتمع متحضر ومتطور في جميع الأصعدة الحياتية ,لان بدون العدالة تعيش المجتمعات في دوامة من الفوضى واللاستقرار
وتصبح فاقدة لوجودها وكيوننتها .



[ad_2]

Berlangganan update artikel terbaru via email:

0 Response to "مقالة جدلية : هل الحق يسبق الواجب ؟"

إرسال تعليق

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel